الزواج الاسلامي محرمـات ومنهيـات حـال الزفـاف والدخـول

شرعت وليمة الزفاف إعلانا للنكاح، وإشهاره، وشكرا لنعمة الله عز وجل، وهي مندوبة في الشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج: "أَولم ولو بشاة"(1 ).ولفعله صلى الله عليه وسلم ذلك حيث أولم على زينب بشاة."( 2) ويستحب في هذه الوليمة إطعام الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، على أن يكون هذا الطعام في حدود الاعتدال والطاقة، ويدعى الأغنياء والفقراء على حد سواء، لكي لا ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ.""(3 ).

وإجابة الدعوة إلى العرس واجبة اللهم إلا إذا كان فيه لهو أو باطل فحينئذ يرخص في عدم حضورها.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب"(4 ). ولا يجوز إجابة دعوة الوليمة إذا كان فيها منكر، اللهم إلا إذا كان قادرا على إزالته فحينئذ لا بأس.

ومما يؤسف له أن نشاهد ولائم الزفاف تصرف فيها الأموال بإسراف، وتبذير، وتهدر نفقات ليس من ورائها إلا السمعة والمباهاة، والغريب في الأمر أن هذه الأموال لا تصرف في الطعام والشراب فقط. بل تبذر في أمورشكلية لا فائدة منها:"كالنكافات"

والورود، والحلويات بشتى أنواعها، وآلات التصوير، وغيرها، وقد أباح الإسلام إعلان الزواج بشيء من اللهو واللعب، كضرب الدفوف، والغناء الخالي من الفحش والاختلاط، روى الإمام أحمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَضَرْبُ الدُّفِّ." ويقول صلى الله عليه وسلم :"أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالغربال"( 5). وعن عائشة قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم ناسا يتغنون في عرس لهم:

وأهدى لها كبشا ينحنحن في مربد *** وحبك في النادي ويعلم ما في غد

قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ولا يعلم ما في غد إلا الله"(6 ).

ويستحب الدعاء للزوجين، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رفأ لإنسان قال: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير"(7 )، أما قول البعض للعروسين بالرفاء وبالبنين فهي عادة جاهلية: قدم عقيل بن أبي طالب البصرة فتزوج امرأة من بني جثم فقالوا له، "بالرفاء والبنين، فقال: "لا تقولوا ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، وأمرنا أن نقول: "بارك الله لك، وبارك عليك"( 8).

كما يستحب للزوج أن يأخذ بناصية زوجته حال دخوله عليها ويقول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ "( 9)، ويقدم لها شيئا من الشراب لحديث أسماء بنت يزيد ابن السكن قالت: إِنِّي قَيَّنْتُ عَائِشَةَ لِرَسُولِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جِئْتُهُ فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا، فَأُتِيَ بِعُسِّ لَبَنٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا خُذِي مِنْ يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَتْ فَأَخَذَتْ فَشَرِبَتْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطِي تِرْبَكِ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ خُذْهُ فَاشْرَبْ مِنْهُ ثُمَّ نَاوِلْنِيهِ مِنْ يَدِكَ، فَأَخَذَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَنِيهِ قَالَتْ فَجَلَسْتُ ثُمَّ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتِي ثُمَّ طَفِقْتُ أُدِيرُهُ وَأَتْبَعُهُ بِشَفَتَيَّ لِأُصِيبَ مِنْهُ مَشْرَبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ لِنِسْوَةٍ عِنْدِي نَاوِلِيهِنَّ فَقُلْنَ: لَا نَشْتَهِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا "( 10)، ومن ذلك أن يصلي الزوج بزوجته ركعتين وهو مستحب. ومما أقره الإسلام تقديم الهدايا في مناسبة الزواج. فقد روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا افْعَلِي، فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لِي ضَعْهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ ادْعُ لِي رِجَالًا سَمَّاهُمْ وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ قَالَ فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُمْ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ..."(11 )، وكان الجلوس للعرس يستمر ثلاثة أيام إن كانت العروس ثيبا وسبعة أيام إن كانت بكرا. لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا وَلِلْبِكْرِ سَبْعًا "( 12). هناك عادة في بلادنا تتناقض مع هدف الهدية، وهي أن المهدي يعتبر ما قدمه أو أعطاه في هذه المناسبة شيئا يجب رده عند مناسبة مثلها...وإلا وقع العداء، وربما وصل الأمر إلى المحاكم، لا شك أن هذا الفعل منهي عنه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ فَيَأْكُلُهُ"( 13). وقوله صلى الله عليه وسلم: " الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ "( 14).

(1 )- البخاري، ج 3، ص 1663.

(2 )- مسلم، ص 519، رقم الحديث: 3503.

(3 )- مسلم، ص522، رقم الحديث: 3521.

( 4)- مسلم، ص 521، رقم الحديث 3521.

(5 )- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 436.

(6 )- الحاكم في المستدرك، ج 3، ص 1041.

(7 )- سنن الدارمي، ج 1، ص 616.

(8)- المصدر السابق.

(9)- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 446.

(10)- أحمد الجزء 18، ص: 596/ رقم الحديث: 27463.

(11)- صحيح البخاري، ج 3، ص 1661.

(12 )- سنن ابن ماجة، ج 2، ص 646.

(13 )- مسلم، ص 616. رقم الحديث: 4170.

( 14)- نفسه، رقم الحديث: 4174.