الكذب مفتاح الشر

خطورة الكذب:
لان هذه المسألة داخلة في حياة الناس الطبيعية؛ فقد عدت من المسائل المهمة. فالمجتمع الذي تطغي عليه هذه الصفة وهذا المرض من المجتمعات الموبوءة والتي تحتاج الى إصلاح؛ فلذلك نجد ان الروايات المباركة عن اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكدت على اهمية اجتناب عن هذه الموبقة، فنرى ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وصيته لأمير المؤمنين (عليه السلام) بوصايا قدم مسألة الكذب على غيره من الأمور لأهميته حين قال له :
(يا علي، أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني. ثم قال: اللهم أعنه، أما الأولى فالصدق، فلا يخرجنّ من فيك كذبة أبداً، والثانية الورع...) (الكافي (صلى الله عليه وآله وسلم) 79: ح33)
فلخطورة هذه المسألة وأهميتها قدمها النبي على الامور الاخرى، والتي تعد ايضا من المهمات فتقديمه هذا إنما هو لأجل خطورة هذا الامر على المجتمع وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فإذن تقديمه من الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما هو الشيء الافضل للناس وما الامور التي يجب الاجتناب عنها لأنها تؤدي الى الهلاك في الدنيا وفي الآخرة.
وايضا تأتي أهمية هذه المسألة لكون هذه الخصلة ـ كما سيأتي ـ مفتاحاً لبقية القبائح والشرور.
وكذلك تتنافى مع الإيمان فكل شخص يكذب فهو غير مؤمن، ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) : (إن الكذب هو خراب الإيمان) (الكافي 2: 339).
والتحذير في الروايات المباركة شمل الجد والهزل حتى لا تتنتقل هذه المسألة من الجد الى الهزل، كما كان الامام زين العابدين (عليه السلام) يوصي ولده بقوله : (اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل؛ فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير).(تحف العقول: 278)
لذا روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (تحفظوا من الكذب فإنه من أدنى الأخلاق قدراً وهو نوع من الفحش وضرب من الدناءة). (ميزان الحكمة 3: 2673)
دوافع الكذب:
اغلب الأخلاق السيئة إنما تنشئ من ضعف الشخصية فلوجود النقص في النفس الإنسانية يحاول ان يقوي شخصيته ويسد نقصه بالإتيان بمثل هذه الصفات، فنجده يتكبر على الناس لضعف نفسه وحقارته وكذلك يحسد وينم وغيرها، والكذب واحدة من هذه الأمور التي يكون الدافع لها :
أولاً: ضعف الشخصية، لذلك نرى ان في بعض الروايات تعبير عن الكاذب بتعابير تنم عن انه مهان وذليل، فروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: (لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه). (الاختصاص: 232)
وعن امير المؤمنين (عليه السلام) : (الكاذب مهان ذليل). (عيون الحكم والمواعظ: 39)
ثانيا: المحيط الاجتماعي السيئ من مجالسة أهل السوء، لذلك نهت الشريعة السمحاء عن مجالسة أهل الفجور وعن اتخاذ اصدقاء السوء، لأنه ينقل الطباع السيئة من حيث لا نشعر.
ثالثا: لغرض اضحاك الناس، وهذا ناتج عن الامر الاول ـ ألا وهو ضعف الشخصية ـ، فلضعف شخصيته نجده يضحك الناس لكي يبين لهم ان له وجود في المجتمع، لذا نجد النهي عن هذه المسألة بالخصوص في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر:
(يا ابا ذر، ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ، ويل له) (الوسائل المجلد 8 الباب 140 ح4 ص577)
رابعا: العادة، ففي بعض الأحيان يعتاد الإنسان على شيء فلا يتركه وقد يكون الكذب من هذه الأمور، لذلك كثرة الروايات الناهية عن الكذب في الجد والهزل حتى لا يعتاد الانسان على الكذب.
خامسا: الجهل بعاقبة الأمور، فهذا الكاذب لا يعلم ما اعد الله تعالى للكاذبين فيتهاون في هذه المسألة الخطيرة.
سادسا: الخلق السيء، فصاحب الخلق السيء يقوده الى الرذائل ومن هذه الرذائل الكذب.
سابعا وثامنا: العداء والحسد، فيحصل عندما يكون للإنسان عدوا ما فيحاول ان يكذب عليه ليسقطه من أعين الناس، أو يحسد شخصا على ما آتاه الله فيكذب عليه ليبغضه الناس، ولا يعلم ان الله يستطيع بنفسه هذا الكذب الذي كذبه عليه ان يسقط هو من أعين الناس.
تاسعا: جلب المنفعة لنفسه.
عاشرا: دفع الضرر عن نفسه.
وغيرها.
الآثار الوضعية للكذب:
هناك بعض الأشياء يصاب بها الإنسان في حياته الدنيا قبل الآخرة، وهذه تسمى الآثار الوضعية، فمثلا نجد ان الذي لا يتصدق لا يرزقه الله، او الذي لا يصل رحمه لا يزيد الله في عمره، او الذي يعاقب والديه يسلط الله عليه أولاده ليعاقبوه، فهنا كذلك توجد بعض الآثار الوضعية للكذب منها:
أولا: يورث الفقر، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (اعتياد الكذب يورث الفقر).(الخصال 2: 94)
ثانيا: أن الكذب هو مفتاح الشرور، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) :
(إن الله عز وجل جعل للشر أقفالا وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب أشر من الشراب) (الكافي 2: كتاب الايمان والكفر باب الكذب ح3).
ثالثا: السقوط من أعين الناس في الوسط الاجتماعي، وقد يحصل ذلك نتيجة لكذبة واحدة لخطأ ما فيسمى كذابا إلى نهاية عمره.
رابعا: ذهاب الإيمان وخرابه، فالكاذب لا يذوق طعم الإيمان فقد روي :
(سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم، قيل ويكون بخيلا؟ قال: نعم. قيل ويكون كذابا؟ قال: لا) (الوسائل مجلد 8 باب 138 باب تحريم الكذب ح11).
خامسا: ذهاب البهاء، فقد روي عن عيسى بن مريم (عليه السلام) : (من كثر كذبه ذهب بهاؤه).(الكافي 2: 341)
سادسا: يؤدي الى النفاق.
قال تعالى : {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) سورة التوبة فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ(77)} سورة التوبة 75-77
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الكذب باب من أبواب النفاق). (تنبيه الخواطر:92).
وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الكذب يؤدي الى النفاق). ( عيون الحكم والمواعظ:29).
سابعا: يضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، فإن وجود مجتمع مليء بالكذب لا يجعل الناس يساعدون بعضهم البعض الآخر، فتقل الثقة بين الناس وتقل مساعدة الناس وكذلك قضاء حوائج الآخرين.
ثامنا: إضاعة الوقت والجهد الثمينين لتمييز الواقع من المزيف والصدق من الكذب.
جزاء الكاذبين: